الصيام :

الحمــد للــه رب العالميــن والصــلاة والسلام علي أشرف  المرســلين ســيدنا محمــد وعلــى آلــه وصحبــه أجمعيــن.

أما بعد :

قــد فــرض اللــه علــى المســلمين صــوم شــهر رمضــان، وســجل فريضتــه فــي القــرآن؛

ليبقــى خالــدا ً خلــود القــرآن، قــال ُ تعالــى: (يَــا أَيُّهَــا الَّذِيــن َ آمَنُــوا كُتِــب َ عَلَيْكُــم  الصِّيَــام ُ كَمَــا كُتِــب َ عَلَــى الَّذِيــن َ مِــن ْ قَبْلِكُــم ْ لَعَلَّكُــم ْ تَتَّقُــونَ) سورة البقرة .، وجعــل اللــه تعالــى أجــر الصيــام مختصــا ً بــه ســبحانه وتعالــى]١٨٣ فعــن أبــي هريــرة رضــي اللــه عنــه عــن النبــي صل اللــه عليــه وســلم قــال: (كل عمــل ابــن آدم لــه إلا الصــوم فإنــه لــي وأنــا أجــزي بــه  ولخلــوف فــم الصائــم أطيــب عنــد اللــه مــن ريــح المســك) متفــق عليــه .

معنى الصوم لغة واصطالحا :

في اللغة : مطلــق الإمســاك، قــال اللــه تعالــى: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) ٢٦مريــم

واصطالحــاً:إمســاك المســلم البالــغ العاقــل عــن جميــع المفطــرات مــن طلــوع الفجــر الصــادق

« الفجــر الثانــي» إلــى غــروب الشــمس، مقرونــا ً بالنيــة مــن الليــل، بشــرط الخلــو مــن الموانــع الشــرعية

كالحيــض والنفــاس ونحــوه.

فقد اختلف الفقهاء في تعريفه على النّحو الآتي :

المذهب الحنفي: هو الإمساك عن المفطرات الثلاث، وهي: الطعام والشراب والجماع، على أن يكون ذلك في وقتٍ محدَّدٍ، مع قصد النية لذلك.

 المذهب المالكي: هو الإمساك عن بعض الشهوات ولا سيّما شهوتي الفرج والفم؛ أي الطعام والجماع، ليكون ذلك تقربًا لله تعالى، مع قصد النيّة في وقت الفجر، على أن يكون هذا الإمساك نهارًا كاملاً.

 المذهب الشافعي: هو إمساكٌ معيَّنٌ من شخصٍ محدَّدٍ عن شيءٍ تمّ تعيينه، على أن يكون ذلك في مدَّةٍ معيَّنةٍ من اليوم.

 المذهب الحنبلي: هو الإمساك عن أمورٍ مخصوصةٍ لوقتٍ مخصوصٍ، ومن شخصٍ مخصوصٍ مع قصد النية لله تعالى.

أنواع الصوم:

أنواع الصوم من حيث الحكم الشرعي المتعلق به يشمل أنواعا متعددة، وقد ذكر الفقهاء تقسيمات متعددة، ومهما اختلفت هذه النقسيمات فهي لا تخرج عن قسمين بحسب تقسيم الحكم الشرعي أي: باعتبار أن الصيام من حيث هو عبادة مشروعة يطلب في الشرع فعلها على وجه الإلزام أو بغير إلزام، وقد يقتضي الشرع تركها على وجه الإلزام أو بغير إلزام، فالصوم إما أن يكون مما يطلب فعله أو تركه، فهذان قسمان وكل منهما إما على جهة الإلزام أو بغير إلزام، فهذه أربعة أقسام بحسب الحكم الشرعي، أما القسم الخامس وهو المباح فلا يدخل في الصوم؛ لأنه عبادة والعبادة لا توصف بالإباحة. وعلى هذا التقسيم فالصوم إما أن يكون مما يطلب في الشرع فعله على وجه الإلزام وهو أنواع أولها: الصيام المفروض وهو صوم شهر رمضان أداءً وقضاءً، وصيام الكفارات، والصيام المنذور. ولا فرق بين الفرض والواجب واللازم والحتمي عند جمهور الفقهاء، فهي كلها ألفاظ مترادفة بمعنى واحد، خلافا للحنفية حيث أنهم فرقوا بين الفرض والواجب، وعلى كل الأحوال فهذه الأنواع من الصيام الذي يطلب فعله على وجه الإلزام. وإن كان الصيام مما يطلب في الشرع فعله لا على وجه الإلزام؛ فهذا قسم ثان من أقسام الصيام، وهو الصيام المسنون ويشمل جميع أنواع صوم التطوع وأنواعه كثيرة، مثل: صوم يوم عاشوراء وهو العاشر من شهر المحرم، ويتأكد معه صيام يوم قبله أو بعده، وصيام المحرم وصوم ست من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر وغير ذلك من أنواع صوم التطوع، ويتضمن أيضا صيام النفل المطلق. والقسم الثاني من أقسام الصيام هو: ما اقتضى الشرع تركه وهو الصوم المنهي عنه إما على وجه الإلزام وهو: الصوم المحرم بمعنى: المنهي عنه في الشرع لذاته، نهيا يقتضي إثم فاعله. وهو صوم يومي عيد الفطر وعيد الأضحى، وأيام التشريق الثلاثة. ويدخل في هذا القسم كل ما يترتب عليه إثم فاعله مثل صوم الحائض عمدا بقصد الصوم، ويشمل أيضا الصوم المكروه كراهة تحريم مثل صوم يوم الشك. وإما أن يكون مما اقتضى الشرع تركه لا على جهة الإلزام مثل: صوم يوم عرفة للحاج، وإفراد يوم الجمعة.


مشروعيّة الصيام من القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة:

قال تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

 عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ النَّاسَ كانوا قبلَ أن يُنزَلَ في الصِّيامِ ما نُزِّلَ يأكُلونَ ويشرَبونَ ويَحِلُّ لهم شأنُ النِّساءِ، فإذا نام أحدُهم لم يَطعَمْ ولم يَشرَبْ ولم يأتِ أهلَهُ حتَّى يُفطرَ من القابِلَةِ، وأنَّ عمَرَ رضيَ اللَّهُ عنهُ بعد ما نامَ ووجبَ عليهِ الصِّيامُ وقع على أهلِهِ، ثُمَّ جاءَ إلى النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: أشكو إلى اللَّهِ وإليكَ الَّذي أصبتُ قال: وما الَّذي صنعتَ؟ قال: إنِّي سوَّلَت لي نفسي فوقَعتُ على أهلي بعدَما نِمتُ وأردتُ الصِّيامَ فنزَلَت أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ إلى قوله فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ).

حكمة مشروعية الصيام :

الصــوم مدرســة ربانيــة يتعلــم المؤمــن منهــا الكثيــر ويتــدرب علــى خصــال الخيــر التــي قــد يحتاجهــا فــي حياتــه منهــا الصبــر، فهــو شــهرالصبر، (إِنَّمَــا يُوَفَّــى الصَّابِــرُون َ أَجْرَهُــم ْ بِغَيْــر ِ حِسَــابٍ)  ١٠ الزمــر.

كما أن الصيام يعلم الأمانة ومراقبة الله سبحانة وتعالي في السر والعلن . إذا لا رقيب علي الصائم في أمتناعة عن الملزات والطيبات إلا الله وحده .

 الصــوم يقــوي الإرادة ويشــحذ العزيمــة وينمــي الرحمــة والتراحــم بيــن عبــاد اللــه، فهــو جهــاد للنفــس وكبــح للشــهوة وصفــاء للــروح وتنميــة للخيــر لقولــه صل اللــه عليــه وســلم: قَــال َ اللــه ُ عــز وجــل: ُ

قال رسول الله ﷺ: قال الله (: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم؛ فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله؛ فليقل إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه) .متفق عليه .

حكم الصوم :

صــوم رمضــان فــرض عيــن علــى كل مســلم بالــغ عاقــل مطيــق للصوم ، وقــد يكــون الصــوم مســتحباً كصــوم النافلــة المطلقــة كصيــام يومــي الإثنين والخميــس مــن كل أســبوع، ويــوم عرفــة لغيــر الحــاج، وعاشــوراء، وقــد يكــون محرمــا ً كصيــام العيديــن ويــوم الشــك، ومنــه مــا يكــون مكروهــا ً كإفــراد يــوم الجمعــة ويــوم الســبت بالصيــام، وصــوم يــوم عرفــة للحــاج.

أركان الصوم :

أركان الصوم أثنين : النيــة، واالامتنــاع عــن جميــع المفطــرات  مــن طلــوع الفجــر إلــى غــروب الشــمس.

شروط الصوم:

شروط الصوم هي: شروط وجوب الصوم، وشروط صحته،

 ومنها: شروط للوجوب والصحة معا، وشروط صحة الأداء. وشروط الصيام عموما هي: البلوغ، والعقل، والإسلام، والقدرة أي: (إطاقة الصوم)، والصحة، والإقامة. فلا يجب صوم المريض ولا الصوم في السفر، بل يجوز للمسافر الإفطار في رمضان، ولا يجب الصوم على من لا يقدر عليه. ولا يصح الصوم إلا من مسلم عاقل مميز، ويشترط النقاء من الحيض والنفاس، والعلم بالوقت القابل للصوم فيه، كما أن النية لازمة للصوم فلا يصح إلا بها. وهناك تفاصيل أوفى في كتب علم فروع الفقه.

حكم نية الصوم؟ وأين محلها، ومتى وقتها:

الالنيــة فــي العبــادات ركــن فــلابد منها ولا تصلح العبادة بدون اى ركن من اركانها . ومحلهــا القلــب والنطــق باللســان مســتحب لتذكيــر اللســان القلــب، ومعناهــا أن يكــون عازمــاً علــى تــرك المفطــرات فــي نهــار اليــوم

القــادم بقصــد العبــادة طاعــة ً للــه تعالــى، وهــذا المعنــى حاصــل لــدى كل  مســلم فــي كل ليلــة مــن رمضــان،

 فــلا داعي للوسوسة ولو قال  نويــت صــوم غــدٍ للــه تعالــى فقــد قطــع الوسوســة، ووقتُهــا مِــن بعــد

غــروب الشــمس إلــى مــا قبــل طلــوع الفجــر. كم تجب النيــة لــكل يــوم مــن أيــام رمضــان؛ لان كل يــوم عبــادة

مســتقلة عــن اليــوم الاخر، ويجــب أن تكــون النيــة هــذه فــي الليــل قبــل طلــوع الفجــر، لقــول النبــي صل اللــه عليــه وســلم: (مــن لــم يُبيِّــت الصيــام مــن الليــل فــلا صيام له) ، وفــي روايــة أبــي داود والترمذي:  (مــن لــم يُجمــع الصيــام قبــل الفجــرفلا صيام له) و مــن اســتيقظ وتســحر فقــد نــوى، وكــذا مــن كان عازمــا ً فــي فتــرة مــن الليــل علــى صيــام اليــوم التالــي.وأذا أكل أو شرب بعد النية قبل الفجر فلا باس حتى ولو نوى الصيام ولا يلزمة تجديد النية بعد ألأكل و الشرب .

هل يجب الصوم على الصبي البالغ تسع سنوات؟

لا يجــب الصــوم علــى الصبــي حتــى يبلــغ إمــا بالعلامــات المعروفــة، وأشهرها الإحتلام  للذكــر وألأنثــى والحيــض للأنثــى، أو ببلوغــها خمســة عشــر عامــا ً قمريــة، ويجــب علــى الولــي أن يأمــر أبنــاءه

الصغــار بالصــوم متــى بلغــوا ســن التمييــز، وهــو الســابعة مــن العمــر إن كانــوا قادريــن علــى ذلــك.

ويؤمر الطفل بالصوم و هو غبن سبع سنين قياساً علي الصلاة ويرغب فى ذلك ولا يجبر.

ويشترط تبييت النية للصبي المميز إذا أراد الصوم شهررمضان فعليه أن ينوي من الليل؛

لان هذا شرط أداء هذه الفريضة وإن لم تكن واجبة عليه.

وإذا أكل شاكا في طلوع الفجر ثم تبيّن طلوع الفجر يصح صيامه القاعــدة الشــرعية تنــص علــى أن: اليقيــن

لا يــزول ُ بالشــك، فاليقيــن وجــود الليــل، والشــك ُّ حصــل فــي طلــوع النهــار فيبنــي علــى اليقيــن ويطــرح الشــك.

مبطلات الصيام :

تنقسم مبطلات الصيام إلى متَّفقٍ عليها بين العلماء، وغير متَّفقٍ عليها، فمن الجدير بالذّكر:

 أنّ غير المتّفق عليها هي: الإغماء والجنون والحجامة،

 وفيما يأتي تفصيل المفسدات المتّفق عليها:

 الجماع: اتّفق الفقهاء أنّ الجماع يبطل الصّيام، ودليل ذلك  قوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ).

 الاستقاءة: هي تعمّد القيء، فقد ورد عن جمهور الفقهاء بأنّ ذلك مبطلٌ للصّيام، باستثناء الحنفية؛ فاشترطوا في ذلك ملء القيء في الفم.

الأكل والشرب عمدًا: لكن إذا تمّ الأكل والشّرب سهوًا فليس على الصّائم شيءٌ من القضاء وغيره.

 دخول شيء إلى الجوف: سواءٌ كان ذلك من الحلق أم المعدة أم الفرج.

 الرّدّة: هي الخروج عن الدين الإسلامي.

 الحيض والنّفاس والولادة: هي أحكامٌ خاصَّةٌ بالمرأة، حيث يبطل الصّيام إذا كان نزول الدم قبل الغروب.

فضل الصوم :

 

وفي المصنف روى ابن أبي شيبة: عن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: “أتيت عثمان بن أبي العاص فدعا لي بلبن لقحة فقلت: إني صائم فقال: أما إني سمعت رسول الله ﷺ يقول : «الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال وصيام حسن صيام ثلاثة أيام من كل شهر»”. وعن هبيرة قال: قال عبد الله: «الصوم جنة من النار كجنة الرجل إذا حمل من السلاح ما أطاق .

عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: “قال رسول الله ﷺ: «إن الله يقول: إن الصوم لي وأنا أجزي به، وإن للصائم فرحتين: إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله فرح، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»”. وعن أبي هريرة قال: “قال رسول الله ﷺ: «كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، الصوم جنة الصوم جنة .

عن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة فقال: «الصوم جنة ما لم يخرقها». وعن عياض بن غطيف قال دخلنا على أبي عبيدة بن الجراح في مرضه فقال: “سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الصوم جنة ما لم يخرقها .

عن أبي بردة عن أبي موسى قال كنا في البحر فبينما نحن نسير وقد رفعنا الشراع ولا نرى جزيرة ولا شيئا إذ سمعنا مناديا ينادي يا أهل السفينة قفوا أخبركم فقمنا ننظر فلم نر شيئا فنادى سبعا فلما كانت السابعة قمت فقلت يا هذا أخبرنا ما تريد أن تخبرنا به فإنك ترى حالنا ولا نستطيع أن نقف عليها قال ألا أخبركم بقضاء قضاه الله على نفسه أيما عبد أظمأ نفسه في الله في يوم حار أرواه الله يوم القيامة زاد أبو أسامة فكنت لا تشاء أن ترى أبا موسى صائما في يوم بعيد ما بين الطرفين إلا رأيته .

“عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «الصائم لا ترد دعوته.

“عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل أهل عمل باب من أبواب الجنة يدعون منه بذلك العمل ولأهل الصيام باب يقال له الريان.

أدب الصيام وسلوك الصائم :

للصوم آداب منها: حفظ اللسان وإطعام الطعام والجود بالخير.

 وفي الحديث:  أن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صل الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة .

الآداب التي للصائم مراعاتها:

صون الجوارح والابتعاد عن اللغو والرفث والمجادلة والمخاصمة، والتحلي بالسكينة والوقار؛ لأنه متلبس بعبادة، وفي الحديث: “عن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال: «الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم (مرتين)، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها .

ولما كان الثواب على الصوم عند الله بمكان؛ كان حريا بالصائم أن يحافظ على هذه الفضيلة، وأن يجانب كل ما يفوتها، فاللغو والرفث حال الصوم لا يعني بطلان الصوم، وإنما يفوت بسببه فضل الصوم وينقص به الثواب، فهو كمثل من يتكلم أثناء خطبة الجمعة أو يحدث الضجيج أو الأذى في المسجد، وفي الحديث: «وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم.

فوائد الصوم:

للصوم فوائد حسية ومعنوية إذ أن فية تهذيب السلوك النفسي وتقويم اعوجاج النفس، وتغيير النمط الذي اعتاد الشخص عليه في حياته اليومية، وفي هذا تعليم لمعنى الطاعة والامتثال في عبادة الله، وتخليص النفس من قيود الهوى وتزكيتها وتهذيبها، وتعليم النفس معنى الصبر بالامتناع عن المفطرات، حتى يشعر الإنسان بحال الجائع والبائس الفقير، لتحصيل العطف والمودة والتراحم بين المجتمع. وفي الحديث: «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ .  بمعنى: أنه وقاية من النار، كما أن من فوائد الصوم في الإسلام أنه يعين على تهذيب النفس وكسر الشهوة لمن خاف على نفسه العزوبة، ويدل على هذا حديث: “عن إبراهيم عن علقمة قال بينا أنا أمشي مع عبد الله رضى الله تعالى عنه، فقال: كنا مع النبي ﷺ فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء . فالزواج مستحب لمن يقدر عليه، ومن لم يقدر عليه فعليه بالصوم فإنه يكون له كالوجاء في كسر الشهوة، ولا وسيلة لذلك غير الصوم.

قال أبو جعفر الطبري: وأما تأويل قوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه، يقول: فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .

قال فخر الدين الرازي: في تفسير قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183]: أنه سبحانه بين بهذا الكلام أن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورياستها، وذلك؛ لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين، كما قيل في المثل السائر: المرء يسعى لغاريه بطنه وفرجه، فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعا له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهونا عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى فيكون معنى الآية فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم، ولما اختص الصوم بهذه الخاصية حسن منه تعالى أن يقول عند إيجابها: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] منها بذلك على وجه وجوبه؛ لأن ما يمنع النفس عن المعاصي لا بد وأن يكون واجبا .

وذكر في معنى «لعل»: المعنى ينبغي لكم بالصوم أن يقوى وجاؤكم في التقوى وهذا معنى «لعل» في سياق الآية، والمعنى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183] الله بصومكم وترككم للشهوات، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في سائر الأشياء، فإذا سهل عليكم اتقاء الله بترك المطعوم والمنكوح؛ كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف.[86] ورابعها: المراد ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٨٣﴾ [البقرة:183] إهمالها وترك المحافظة عليها بسبب عظم درجاتها وأصالتها. وخامسها: لعلكم تنتظمون بسبب هذه العبادة في زمرة المتقين؛ لأن الصوم شعارهم.  

قال ابن كثير في تفسيره:  لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة. وفيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء .

تم بحمد لله .

 

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *