التَّوحِيدُ،:
وهو لُغةً جعلُ الشيءِ واحدًا غيرَ متعدِّد، وفي اصطلاح المُسلمين: هو الإيمان بأنَّ الله واحدٌ في ذاته وصفاته وأفعاله، لا شريكَ له في مُلكه وتدبيره، وأنّه وحدَه المستحقّ للعبادة فلا تُصرَف لغيره. ويُعتبر التَّوحيد عند المسلمين محور العقيدة الإسلاميّة، بل محور الدِّين كلّه،[1] حيثُ ورد في القرآن: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ٢٥﴾ [الأنبياء:25]، والتَّوحيد يشكِّل نصف الشهادتين التي ينطق بها مَن أراد الدخول في الإسلام، كما يُعتَبر الأساس الذي يُبنى عليه باقي المعتقدات الإسلاميّة.
ويتضمّن التَّوحيد في الإسلام نفي وجود أيّ آلهة أُخرى مع الله، ونفي الشَّبه بين الله وبين خلقه، فالله في الإسلام واحدٌ أحدٌ فردٌ صمدٌ، لا شريك ولا نِدَّ له، منفردٌ في التصرّف في مُلكه، لا يُسأل عمّا يفعل، لا يخرج عن مشيئته وإرادته شيء، بل هو الفعّال لما يريد، لا رادّ لأمره، ما شاءه كان، وما لم يشأه لم يكن.ولا يشبه الأجسام، ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء، ليس محدودٌ بزمان ولا مكان، بل الزمان والمكان من خَلقه وتدبيره .
معنى التوحيد:
كلمة التوحيد هي أصل الدين وأساسه، ولأجلها خلقت الدنيا والآخرة، والجنة والنار، وهي دعوة جميع الأنبياء والرسل، من لدن نوح ﷺ حتى محمد ﷺ. وقد تظاهرت النصوص من الكتاب والسنة لبيان معنى توحيد العبادة. قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ٣٥﴾ [الصافات:35] فلم يقروا بهذه الكلمة، وذلك لأنهم يعلمون معناها، لو كان مجرد قول لا يلزم منه نبذ جميع المعبودات سوى الله لقالوها، ولذا أخبر الله تعالى واصفاً حال المشركين بقولهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ٥﴾ [ص:5] فعلموا ما يراد من هذه الكلمة، فلم ينطقوا بها . وجميع الأنبياء إنما دعوا لعبادة الله وحده، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ٢٥﴾ [الأنبياء :25] وقد رد قوم هود ﷺ ما دعا إليه بقولهم: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٧٠﴾ [الأعراف:70] فعلموا ما أراد من دعوتهم، من ترك كل ما يعبده هؤلاء وآباؤهم من قبل، إلى عبادة الله وحده، وما ذاك إلا أنهم علموا معنى كلمة التوحيد وما يراد بها. وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ٣٠﴾ [لقمان:30] فبيّن الله تعالى أن الذي يعبد هؤلاء المشركون من دونه سبحانه – من الأصنام والأوثان – هو الباطل الذي يضمحل ويفنى، وأن عبادته سبحانه وتعالى وحده هي الحق؛ لأن كل من دونه متذلل منقاد .
والتوحيد هو الباب الذي يدخل الإنسان منه إلى الإسلام ويفارق على أعتابه طريق الكفر. وكلمة «لا إله إلا الله» هي في حد ذاتها تتضمن الكفر بالطاغوت لكل من أتى بكلمة التوحيد فإنه يعلن في الوقت ذاته الكفر بالطاغوت، والبراءة من كل ما يعبد من دون الله تعالى. وكلمة الشهادة: «لا إله إلا الله» تنفي الألوهية عن غير الله، لأن معناها: لا معبود بحق إلا الله، فهى تنفى الألوهية وهي العبادة عن غير الله، وتثبت العبادة لله وحده، دون ما سواه من سائر المخلوقات، والأدلة على هذا من كتاب الله وسنة رسوله كثيرة جداً، منها قوله عز وجل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦﴾ [الذاريات 56] وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ٥﴾ [البينة:5] وقوله سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ٢٣﴾ [الإسراء :23]. وكلمة التوحيد هي الكلمة التي على أساسها جاءت رسالة النبي محمد ﷺ إلى مجتمعه والناس أجمعين،
يقول تعالى: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ١٢٣ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ١٢٥ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ١٢٦﴾ [طه:123–126].[]
فضل التوحيد:
• قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ٨٢﴾ [الأنعام:82].
• وقال أيضاً: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ٨٨﴾ [الأنبياء:87–88].
• وعن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل». متفق عليه.
• وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك». متفق عليه.
• وعن أنس بن مالك «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل، قال: «يا معاذ!» قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ!». قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: «يا معاذ!». قال: لبيك رسول الله وسعديك، قال: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، إلا حرمه الله على النار» قال: يا رسول الله! أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: «إذا يتكلوا». فأخبر بها معاذ عند موته، تأثما». متفق عليه.
• وعن أبي هريرة أنه قال: «قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: لقد ظننت، يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه». أخرجه البخاري.
• وعن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة». أخرجه مسلم.
التوحيد عند أهل السنة:
علم التوحيد هو أشرف العلوم على الإطلاق، لأنه يتعلق بمعرفة الله عز وجل، وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه وما يجوز في حقه سبحانه وتعالى، وما يتبع ذلك من أمور النبوة والآخرة والأصول، فإن شرف العلم بشرف المعلوم، لذلك هو أشرف العلوم وأفضلها. فالتوحيد هو أصل الدين، قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ١٩﴾ [محمد:19] في الآية تقديم التوحيد على الاستغفار لأن التوحيد هو الأصل، والاستغفار عمل صالح فلا يقبل من غير توحيد كما لا يكون فرع من غير أصل. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ١٢٤﴾ [النساء:124] وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا ١٣﴾ [الفتح:13] فلا يصح الإيمان بالله إن لم يقترن به الإيمان برسوله محمد ﷺ مع التصديق بكل ما جاء به وأخبر به. وقال ﷺ: «أفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله» رواه البخاري. أي أن الإيمان هو أفضل الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك. ومن أهمية التوحيد أن من مات عليه لا بد أن يدخل الجنة، فإن كان مؤمناً طائعاً لله أدخله الله الجنة بفضله من غير سابق عذاب، وإن كان مؤمناً فاسقاً إن شاء الله أدخله الجنة وإن شاء عذبه، ثم يدخل الجنة بعد مدة عقابه في النار، قال ﷺ: «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من إيمان» رواه البخاري، أما من مات على الكفر فهو خالدٌ في نار جهنم ليس له شفيع ولا نصير. والآيات والأحاديث التي تدل على فضل التوحيد كثيرة .
تم بحمدلله .


لا تعليق