الحج هو آخر ما فرض من الشعائر والعبادات، إذ كانت فرضيته في السنة التاسعة من الهجرة النبوية على أرجح الأقوال. (1) وهو أحد أركان الإسلام الخمسة وفرض من الفرائض التي علمت من الدين بالضرورة فلو أنكر وجوبه منكر كفر وارتد عن الإسلام….(2) وقد فرضه الله على كل مستطيع قال تعالى ( {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين} ) [سورة آل عمران آية 97] …. (3) ولا يكتمل إيمان العبد القادر إلا بأدائه…. (4) وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد وبعض أصحاب الشافعي وأبو يوسف إلى أن الحج واجب على الفور عند الاستطاعة عليه بينما ذهب الشافعي والثوري والأوزاعي ومحمد بن الحسن إلى أن الحج واجب على التراخي فيؤدى في أي وقت من العمر ولا يأثم من وجب عليه بتأخيره متى أداه قبل الوفاة…. (5) وقد أجمع العلماء على إن أشهر الحج التي لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها هي شوال وذو القعدة واختلفوا في ذي الحج هل هو بكماله من أشهر الحج أو عشر منه؟ فذهب ابن عمر وابن عباس وابن مسعود والأحناف والشافعي وأحمد إلى الرأي الثاني، وذهب مالك إلى الرأي الأول ورجحه ابن حزم فقال: إن قول الله تعالى في سورة البقرة آية 197 ( الحج اشهر معلومات ) لا يطلق على شهرين وبعض آخر أشهر….(6) كما أجمع العلماء على أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة واحدة إلا أن ينذر بأدائه فيجب الوفاء بالنذر، وما زاد عن الفريضة فهو تطوع فعن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( يا أيها الناس كتب عليكم الحج ) فقام الأقرع بن حابس فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فقال ( لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه….(7)  أما العمرة فقد ذهب الأحناف ومالك إلى أنها سنة لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي؟ قال ( لا، وأن تعتمروا هو أفضل ) رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح بينما عند الشافعية وأحمد أنها فرض لقوله تعالى في سورة البقرة آية 196 {( وأتموا الحج والعمرة لله )} فقد عطفت على الحج وهو فرض فهي فرض كذلك والرأي الأول أرجح. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن وقت العمرة جميع أيام السنة فيجوز أداؤها في أي يوم من أيامها وذهب أبو حنيفة إلى كراهتها في خمسة أيام هي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة وذهب أبو يوسف إلى كراهتها في يوم عرفة وثلاثة أيام بعده واتفقوا على جوازها في أشهر الحج. ويجوز تكرارها فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر، عمرة الحديبية وعمرة القضاء والثالثة من الجعرانة والرابعة مع حجته رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة بسند رجاله ثقات وعن نافع اعتمر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أعواما في عهد ابن الزبير عمرتين في كل عام، وعن القاسم إن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في سنة ثلاث مرات، ويجوز للمعتمر أن يعتمر في أشهر الحج من غير أن يحج فقد اعتمر عمر في شوال ورجع إلى المدينة دون أن يحج كما يجوز له الاعتمار قبل أن يحج كما فعل عمر رضي الله عنه…. (8) هذا وتؤدى العمرة بمفردها كما ذكر أو مع الحج ووجوه أدائهما معا فثلاثة هي…. (9) الأول: القران ومعناه أن يحرم من عند الميقات بالحج والعمرة معا ويقول عند التلبية لبيك بحج وعمرة وهذا يقتضي بقاء المحرم على صفة الإحرام إلى أن يفرغ من أعمال العمرة والحج معا أو يحرم بالعمرة ويدخل عليها الحج قبل الطواف، الثاني: التمتع ومعناه هو الاعتمار في أشهر الحج ثم يحج من عامه الذي اعتمر فيه وهذا يقتضي أن يحرم من الميقات بالعمرة وحدها ويقول عند التلبية لبيك بعمرة والبقاء على صفة الإحرام حتى الانتهاء من أعمالها ويتحلل إلى أن يجئ يوم التروية فيحرم من مكة بالحج، الثالث: الإفراد ومعناه أن يحرم من يريد الحج من الميقات بالحج وحده ويقول في التلبية لبيك بحج ويبقى محرما حتى تنتهي أعمال الحج ثم يعتمر بعد ذلك أن شاء…. (10) وقد اتفق الفقهاء إن للحج والعمرة شروط وجوب وشروط صحة وهي نفس الشروط فيهما ماعدا وقت الأداء فيشترط لوجوبهما، الإسلام البلوغ العقل الحرية الاستطاعة. ويشترط لصحتهما الإسلام التمييز الإحرام والمكان المخصص لأداء كل ركن من أركانهما والوقت المخصص لأداء كل ركن من أركانهما…. (11) وللحج والعمرة أركان وواجبات وسنن ومفسدات، فيجب للعمرة ما يجب للحج وكذلك يسن لها ما يسن له وبالجملة فهي كالحج في الإحرام والفرائض والواجبات والسنن والمحرمات والمكروهات والمفسدات والإحصار ولكنها تخالفه في بعض الأمور أنها ليس لها وقت معين وليس فيها وقوف بعرفة ولا نزول بمزدلفة وليس فيها رمي جمار ولا طواف قدوم وميقاتها الحل لجميع الناس بخلاف الحج فإن ميقاته للمكي الحرم…. (12) وأركان الحج التي لا يصح الحج بدونها هي الإحرام والوقوف بعرفة والطواف والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير وأركان العمرة كذلك إلا الوقوف بعرفة…. (13) أما واجبات الحج فهي الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة جزء من النهار وجزء من الليل والمبيت بالمزدلفة ليلة النحر أو البقاء بها مدة من النصف الثاني من الليل ورمي الجمار على الترتيب وبالكيفية المطلوبة والمبيت بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة وأيام التشريق وطواف الوداع…. (14) وأما محظورات الحج والعمرة فهي لبس المخيط أو المحيط كما يحرم لبس الخف والحذاء أو ما يغطي الكعبين وتغطية الرأس والوجه أو بعضهما بأي ساتر…. (15) وقد أجمع العلماء على أن هذا مختص بالرجل أما المرأة فلها أن تلبس جميع ذلك ولا يحرم عليها إلا الثوب الذي مسه الطيب والنقاب والقفازان….(16) مس الطيب أو شمه أو حمله أو استعماله في البدن أو الثياب وكذلك استعمال ما فيه طيب أو شرب أو أكل ما اختلط به طيب، قص الأظفار أو إزالة أي شعر بالحلق أو القص أو النتف أو الحك لقوله تعالى في [سورة البقرة آية 196] {( ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله )} الجماع ودواعيه ومقدماته كالقبلة والملامسة التي تنقض الطهر مع النساء، عقد النكاح لنفسه أو لغيره، التعرض لصيد البر بالقتل أو الذبح أو الدلالة عليه أو الإشارة إليه أو إيذاؤه أو إفساد بيضه كما يمنع الأكل منه إذا صاده بنفسه أو صاده محرم آخر لقوله تعالى {( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )} [سورة المائدة آية 96] …. (17) كما يمنع على المحرم اكتساب السيئات واقتراف المعاصي والمخاصمة مع الرفقاء والمشاتمة والكلام الفاحش والجدال والأصل في تحريم هذه الأشياء قوله تعالى {( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) } [سورة البقرة آية 197] ، قتل أي شئ ماعدا الفواسق الخمسة وهي الحدأة والغراب والحية والعقرب والكلب العقور، دهن الشعر أو البدن وكذلك الخضاب بالحناء في الشعر أو البدن، لبس الثياب المصبوغة بما له رائحة طيبة، التعرض لشجر الحرم أو حشيشه بقطع أو قلع أو إتلاف كما لا يجوز تنفير صيده…. (18) أما مفسدات الحج والعمرة فهي ترك ركن من أركانهما أو الجماع بأي كيفية في قبل أو دبر مع آدمي أو غيره قبل التحلل الأصغر في الحج وقبل التحلل في العمرة …. (19) وينبغي أن تكون نفقة الحج أو العمرة وكذلك سائر معاملات المسلم المالية من نفقة طيبة ففي الحديث الصحيح ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ) وروى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «( إذا خرج الحاج بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك زادك حلال وراحلتك حلال وحجك مبرور غير مأزور وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك ناداه مناد من السماء  لا لبيك ولا سعديك زادك حرام ونفقتك حرام وحجك مأزور غير مأجور )» ….(20)

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *