البر:

البِـرُّ لغةً:

الصِّدق والطَّاعة والخير والفضل، وبَرَّ يَبـَــرُّ، إذا صَلَحَ. وبَرَّ في يمينه يَبَرُّ، إذا صدَّقه ولم يحنث. وبَرَّ رحمه يَبَرُّ، إذا وصله. ويقال: فلان يَبَرُّ ربَّه ويتبرَّره، أي: يطيعه. ورجل بَرٌّ بذي قرابته، وبارٌّ: من قوم بررة وأبرار، والمصدر: البِرُّ، والبَـرُّ: الصَّادق أو التقي وهو خلاف الفاجر، والبِرُّ: ضدُّ العقوق. وبَرِرْتُ والدي بالكسر، أَبَـــرُّهُ برًّا، وقد بَرَّ والده يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرًّا… وهو بَـرٌّ به وبارٌّ.. وجمع البَرِّ الأبرار، وجمع البَارِّ البَرَرَةُ .

البِرِّ اصطلاحًا:

البِرُّ بالكسر أي: التوسُّع في فعل الخير، والفعل المرضِي، الذي هو في تزكية النَّفس… يقال: بَرَّ العبدُ ربَّه. أي: توسَّع في طاعته… وبِرُّ الوالد: التَّوسع في الإحسان إليه، وتحرِّي محابِّه، وتوقِّي مكارهِه، والرِّفقُ به، وضدُّه: العقوق. ويستعمل البِرُّ في الصِّدق؛ لكونه بعض الخير المتوسَّع فيه). قال القاضي حسين المهدي: (والبِرُّ: هو الصِلة، وإسداء المعروف، والمبالغة في الإحسان .

الفرق بين البِرِّ والخير:

(أنَّ البِرَّ مضَمَّن بجعل عاجل قد قُصِد وجه النفع به، فأمَّا الخير فمطلق، حتَّى لو وقع عن سهو لم يخرج عن استحقاق الصِّفة به. ونقيض الخير: الشَّر، ونقيض البِرِّ: العقوق).

الفرق بين البِرِّ والصلة:

(أنَّ البِرَّ: سعة الفضل المقصود إليه، والبِرُّ أيضًا يكون بلين الكلام، وبَرَّ والده إذا لقيه بجميل القول والفعل. قال الرَّاجز:

بُنَيَّ إنَّ البرَّ شيء هيِّن

                                                 وجهٌ طليق وكلامٌ ليِّن

والصِّلة: البِرُّ المتأصِّل. وأصل الصِّلة: وصلة على فعله، وهي للنَّوع والهيئة، يقال: بارٌّ وصولٌ، أي: يصل برَّه فلا يقطعه. وتواصل القوم: تعاملوا بوصول بِرِّ كل واحد منهم إلى صاحبه. وواصله: عامله بوصول البِرِّ. وفي القرآن: ((وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ)) [القصص: 51]، أي: كثَّــرْنا وصول بعضه ببعض بالحكم الدَّالة على الرَّشد).

الفرق بين الصَّدقة والبِرِّ:

(الفرق بين البر وَالصَّدَقَة أنَّك تصَّدَّق على الفقير لسدِّ خلَّته، وتبرُّ ذا الحقِّ لاجتلاب مودَّته، ومن ثمَّ قيل: بِرُّ الوالدين. ويجوز أن يقال: البِرُّ هو: النَّفع الجليل. ومنه قيل: البِرُّ لسعته محلًّا له نفعة. ويجوز أن يقال: البِرُّ سعة النَّفع. وقيل: البِرُّ الشَّفقة).

الفرق بين القُرْبَان والبِرِّ:

قال أبو هلال العسكري: (إنَّ القُرْبَان: البِرُّ الذي يتقرَّب به إلى الله، وأصله المصدر، مثل الكفران والشُّكران).

لماذا يسمى الله تعالى نفسه بالبَرّ؟

يدل تسمية الله تعالى نفسه بالبَرّ على إتساع إحسانه إلى خلقة وكثرته حتى لا يمكن أبداً معرفة حد لإحسانه تعالى على خلقة كلهم فهو ربنا المحسن العظيم والرب الكريم واسع الفضل والعلم والحكمة

قال الله تعالى﴿وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ٧٣ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٧٤﴾ سورة ال عمران

قال الله تعالى﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ٥٤﴾   سورة المائدة

قال الله تعالى﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ٧٠﴾  سورة النساء

قال الله تعالى﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٥٨﴾  سورة يونس

قال الله تعالى﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٤﴾  سورة الجمعة

قال الله تعالى﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٨﴾  سورة الحجرات

وصف الله تعالى غيره بالبر:

من واسع فضل الله تعالى وعظمته وكمال إحسانه أن أنعم على بعض عبادة بالبر وأثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم

قال الله تعالى﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ١٨ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ١٩ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ٢٠ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ٢١ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ٢٢﴾  سورة المطففين

قال الله تعالى﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ١٩٨﴾  سورة آل عمران

قال الله تعالى﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ١٩٣﴾  سورة آل عمران

قال الله تعالى﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا ٥﴾  سورة الإنسان

قال الله تعالى﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ١٣﴾  سورة الانفطار

قال الله تعالى﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ١٢ وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ١٣ وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا ١٤﴾  سورة مريم

قال الله تعالى على لسان نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ٣٢﴾  سورة مريم

البر في الدنيا :

بر الله تعالى للأولياء والمحسنين والصالحين

يكون بر الله تعالى لعباده الأولياء والمحسنين والصالحين بزيادة ومضاعفة أجورهم وثوابهم وإعطائهم الكرامات والإحسان إليهم بحفظهم من شر الأشرار والكفار

قال الله تعالى﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧﴾  سورة السجدة

قال الله تعالى﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٢٥﴾  سورة البقرة

قال الله تعالى﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا ٥٧﴾  سورة النساء

قال الله تعالى﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ١٧٣ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ١٧٤ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ١٧٥﴾  سورة النساء

قال الله تعالى﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ٩﴾  سورة المائدة

قال الله تعالى﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ٦٥﴾  سورة الإسراء

قال الله تعالى﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ١١﴾  سورة هود

قال الله تعالى﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٩ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٠﴾  سورة يونس

قال الله تعالى﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ٢٩﴾  سورة الرعد

قال الله تعالى﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ٢٣﴾  سورة إبراهيم

قال الله تعالى﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ٩٦﴾  سورة مريم

قال الله تعالى﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ٢٥﴾  سورة الانشقاق

بر الله تعالى للمسيئين والمذنبين:

يكون بر الله تعالى لعباده المسيئين والمذنبين بالستر عليهم وقبول توبتهم ومسح ذنوبهم ويبدلهم بالسيئات إحسانا وعفوا عند التوبة

قال الله تعالى﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣﴾  سورة الزمر

قال الله تعالى﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٤٩ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ٥٠﴾  سورة الحجر

البر في الآخرة :

وهو بر الله تعالى بالأولياء والصالحين بتحقيق ماوعدهم به في الآخرة من النعيم المقيم

قال الله تعالى﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ٤٤﴾   سورة الأعراف

قال الله تعالى﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ٦١ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ٦٢ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ٦٣﴾  سورة مريم

قال الله تعالى﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ٦١﴾  سورة القصص

قال الله تعالى﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٦﴾  سورة الروم

قال الله تعالى﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ٨ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٩﴾  سورة لقمان

قال الله تعالى﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ٢٠﴾  سورة الزمر

أقسام البِرّ:

للبر قسمان:

والبِرُّ نوعان: صِلَة، ومعروف.

 فأما الصلَة: فهي التَّبرع ببذل المال في الجهات المحدودة لغير عوض مطلوب، وهذا يبعث عليه سماحة النَّفس وسخاؤها، ويمنع منه شحُّها وإباؤها. قال الله تعالى: ((وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9.

وأمّا بِرُّ المعروف، فيتنوع أيضا نوعين: قولًا وعملًا.

فأما القول: فهو طيب الكلام، وحسن البِشْر، والتودُّد بجميل القول، وهذا يبعث عليه حسن الخلق، ورِقَّة الطبع، ويجب أن يكون محدودًا كالسَّخاء؛ فإنَّه إن أسرف فيه كان مَلَقًا مذمومًا، وإن توسط واقتصد فيه كان معروفًا، وبِرًّا محمودًا.

وأمَّا العمل: فهو بذل الجاه والمساعدة بالنَّفس، والمعونة في النَّائبة، وهذا يبعث عليه حبُّ الخير للنَّاس، وإيثار الصَّلاح لهم. وليس في هذه الأمور سَرَفٌ، ولا لغايتها حَدٌّ، بخلاف النَّوع الأوَّل؛ لأنَّها وإن كثرت فهي أفعال خير تعود بنفعين: نفع على فاعلها في اكتساب الأجر، وجميل الذِّكر، ونفع على المعان بها في التخفيف عنه، والمساعدة له .

فوائِدُ البِرِّ:

1- البِرُّ طريقٌ مُوصِلٌ إلى الجنَّةِ:

عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حتَّى يُكتَبَ صِدِّيقًا…))  .

2- من فضائِلِ البِرِّ أنَّه سبيلٌ للزِّيادةِ في العُمُرِ:

عن ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يزيدُ في العُمُرِ إلَّا البِرُّ، ولا يَرُدُّ القَدَرَ إلَّا الدُّعاءُ))  .

3- البِرُّ من أسبابِ سعادةِ المرءِ في الدَّارينِ؛ قال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا  [المزمل: 20] .

4- البِرُّ يؤدِّي إلى نَيلِ محبَّةِ النَّاسِ.

5- البِرُّ يؤدِّي إلى شُيوعِ رُوحِ المحبَّةِ والأُلفةِ في المجتَمَعِ.

6- بَذلُ البِرِّ يؤكِّدُ المحبَّةَ؛ فقد قيل: (أربعةٌ تؤكِّدُ المحبَّةَ: حُسنُ البِشرِ، وبَذلُ البِرِّ، وقَصدُ الوِفاقِ، وتَركُ النِّفاقِ)  .

قال الماوَرْديُّ: (وأمَّا البِرُّ، وهو الخامِسُ من أسبابِ الأُلفةِ؛ فلأنَّه يُوصِلُ إلى القُلوبِ ألطافًا، ويُثنيها محبَّةً وانعِطافًا)  .

7- البِرُّ طريقٌ لراحةِ البالِ، واستقرارِ النَّفسِ واطمِئْنانِها:

8- البِرُّ إحدى الصِّفاتِ التي لا تكتَمِلُ مكارِمُ الأخلاقِ إلَّا بها:

عن النَّوَّاسِ بنِ سَمعانَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((سألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن البِرِّ والإثمِ؟ فقال: البِرُّ حُسنُ الخُلُقِ، والإثمُ: ما حاك في صَدرِك، وكَرِهتَ أن يطَّلِعَ عليه النَّاسُ))  .

9- أنَّ كُلَّ أنواعِ الخيرِ ينطوي تحتَ كَلِمةِ البِرِّ  .

10- أنَّ البِرَّ يَحرُسُ النِّعَمَ ويُحَصِّنُها:

وقد (قيل: من تلقَّى أوائِلَ النِّعَمِ بالشُّكرِ، ثمَّ أمضاها في سُبُلِ البِرِّ؛ فقد حرَسَها من الزَّوالِ، وحصَّنها من الانتِقالِ)  .

11- أعمالُ البِرِّ من أسبابِ محبَّةِ اللهِ تعالى.

12- بالبِرِّ يحيا الإنسانُ حياةً طَيِّبةً.

من أشكال البر وصوره:

بر الوالدين :

إن بِرَّ الوالدين هو أقصى درجات الإحسان إليهما. فيدخل فيه جميع ما يجب من الرعاية والعناية، وقد أكد الله الأمر بإكرام الوالدين حتى قرن الله سبحانه وتعالى الأمر بالإحسان إليهما بعبادته التي هي توحيده والبراءة عن الشرك اهتماما به وتعظيما له. من روائع الدين الاسلامي تمجيده للبر حتى صار يعرف به، فحقا إن الإسلام دين البر الذي بلغ من شغفه به أن هون على أبنائه كل صعب في سبيل ارتقاء قمته العالية، صارت في رحابه أجسادهم كأنها في علو من الأرض وقلوبهم معلقة بالسماء وأعظم البر ( بر الوالدين ) الذي لو استغرق المؤمن عمره كله في تحصيله لكان أفضل من جهاد النفل يتكون هذا اللفظ من شقين فلنأخذ كل شق على حده.

الأَدِلّةُ الشّرعِية على بِرِّ الوالِدَين :

أَدِلّةُ بِرِّ الوالِدَينِ في الْقُرْآن:

في سورة البقرة﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ٨٣﴾ [البقرة:83]

في سورة الإسراء﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ٢٣﴾ [الإسراء:23]

في سورة النساء﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ٣٦﴾ [النساء:36]

في سورة لقمان﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ١٤﴾ [لقمان:14]

في سورة الأحقاف﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ١٥﴾ [الأحقاف:15]

في سورة العنكبوت﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٨﴾ [العنكبوت:8]

أَدِلّةُ بِرّ الوالِدَينِ في السُّنةِ النَّبَويّة :

وقال النبي محمد ﷺ : (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) (حديث مرفوع) .

والجنة تحت أقدام الأمهات: جاء رجل إلى النبي يريد الجهاد، فأمره النبي ﷺ أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد، فأمره النبي أن يرجع ويبر أمه. وفي المرة الثالثة، قال له النبي: (ويحك! الزم رِجْلَهَا فثم الجنة) [ابن ماجه].

وجاء رجل إلى النبي ﷺ فاستأذنه في الجهاد، فقال ﷺ: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال النبي: (ففيهما فجاهد) [مسلم]

وأقبل رجل على الرسول، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله، فقال ﷺ: (فهل من والديك أحد حي؟). قال: نعم. بل كلاهما. فقال النبي ﷺ: (فتبتغي الأجر من الله؟). فقال: نعم. قال النبي محمد ﷺ: (فارجع إلى والديك، فأَحْسِنْ صُحْبَتَهُما) [مسلم].

وبِرُّ الوالدين من أعظم أبواب الخير، وقد جاء ذلك في الحديث الذي سأل فيه عبد الله بن مسعود النبي قائلاً: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ : “الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا”. قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: “ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ”. قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: “الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ”.

حُقوقُ الوالِدَينِ:

1- الطاعة لهما وتلبية أوامرهما والإنفاق عليهما عند الحاجة.

2- التواضع لهما ومعاملتهما برفق ولين وتقديمهما في الكلام والمشي احتراماً لهما وإجلالاً لقدرهما.

3- خفض الصوت عند الحديث معهما وعدم إزعاجهما ان كانا نائمين.

4- استعمال أعذب الكلمات وأجملها عند الحديث معهما .

5- إحسان التعامل معهما وهما في مرحلة الشيخوخة وعدم إظهار الضيق من طلباتهما ولو كانت كثيرة ومتكررة .

6- الدعاء لهما بالرحمة والغفران وعدم مجادلتهما والكذب عليهما.

7- اختصاص الأم بمزيد من البر لحاجتها وضعفها وسهرها وتعبها في الحمل والولادة والرضاعة. والبر يكون بمعنى حسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة والصلة

8- شكرهما الذي جاء مقروناً بشكر الله والدعاء لهما لقوله تعالى: في سورة الإسراء﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ٢٤﴾ [الإسراء:24]. وأن يؤثرهما على رضا نفسه وزوجته وأولاده.

9- الإحسان إليهما وتقديم أمرهما وطلبهما، ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمين لقوله تعالى: في سورة لقمان﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ١٥﴾ [لقمان:15]

تم بحمد لله.

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *